حسن عزام يكتب :عندما يتحول الولاء إلى سلاح قانوني
حمل قرار النادي الأهلي المصري بدعم رمضان صبحي قانونيا رغم انتقاله إلى بيراميدز منذ خمس سنوات دلالات إجتماعية وسياسية عميقة تتجاوز حدود الرياضة لتعكس فلسفة مؤسسية راسخة في التعامل مع الأزمات وإدارة العلاقات داخل المجتمع الكروي المصري والعربي، فقد أعلن #محمود_الخطيب رئيس النادي تكليف المستشار القانوني بالانضمام لفريق الدفاع عن اللاعب في قضية التزوير التي تواجهه حاليا بالتنسيق مع محاميه الخاص وكذلك تكليف الدكتور عبد الله شحاتة المستشار القانوني الرياضي لتقديم الدعم في قضية المنشطات التي أصدرت فيها المحكمة الرياضية الدولية حكما بإيقاف اللاعب أربع سنوات بتهمة التلاعب في العينة وهي عقوبة قد تنهي مسيرته الكروية فعليا مع وجوده في ذروة عطائه الفني والبدني في سن الثامنة والعشرين ليضاف إلى ذلك قضية التزوير في محرر رسمي المتعلقة بأداء امتحانات بديلة عنه والمؤجلة إلى نهاية ديسمبر القادم.
هذا القرار يعكس مفهوما اجتماعيا متجذرا في الثقافة الأهلاوية يتمثل في الولاء الممتد لأبناء النادي حتى بعد رحيلهم عنه وهو مفهوم نادر في عالم كرة القدم الذي يتسم بالبراغماتية الشديدة والمصالح المتغيرة بسرعة فالأهلي لم ينظر إلى رمضان صبحي باعتباره لاعبا سابق انتقل إلى نادي منافس بل ظل يراه ابنا من أبناء المؤسسة الذين تدرجوا في قطاعات الناشئين منذ الصغر وحملوا قميص الفريق الأول ابتداء من عام 2014 قبل أن ينتقل للاحتراف الأوروبي ثم يعود ليلعب في الدوري المصري مع بيراميدز عام 2020 في خطوة أثارت استياء بعض جماهير الأهلي آنذاك لكن القرار الحالي يتجاوز تلك الخلافات ليؤكد أن الانتماء المؤسسي يتخطى الظروف الطارئة والاختيارات الفردية ويبقى رباطا معنويا لا تنفصم عراه.
من الزاوية السياسية يمكن قراءة هذا القرار كرسالة واضحة من الأهلي إلى المجتمع الرياضي المصري والعربي مفادها أن المؤسسة العريقة لا تتخلى عن أبنائها في المحن وأنها تمتلك من القوة المالية والقانونية والأدبية ما يمكنها من الوقوف إلى جانب لاعبيها السابقين حتى وهم يرتدون ألوان أندية أخرى وهذه الرسالة تحمل بعدا سياسيا داخل منظومة #الكرة_المصرية التي تشهد تنافسا حادا بين الأندية الكبرى وصراعات على النفوذ والمكانة فالأهلي بهذا الموقف يعزز صورته كمؤسسة اجتماعية ذات مسؤولية أخلاقية وليس مجرد كيان رياضي يسعى للفوز بالبطولات ويستغني عن لاعبيه بمجرد رحيلهم كما أن التوقيت الذي جاء فيه القرار بعد صدور حكم الإيقاف وخلال فترة محاكمة رمضان صبحي في قضية التزوير يعكس حساسية سياسية عالية في إدارة الأزمات الإعلامية والقانونية إذ أن غياب الدعم المؤسسي في مثل هذه الظروف قد يترك اللاعب فريسة سهلة للانهيار النفسي والمهني.
ثمة بعد آخر يتعلق بالعدالة الاجتماعية والحق في الدفاع القانوني فقد يرى البعض أن رمضان صبحي بحكم إمكانياته المادية كلاعب محترف قادر على توكيل أفضل المحامين والدفاع عن نفسه دون حاجة لدعم مؤسسي لكن تدخل الأهلي يحمل رسالة أعمق مفادها أن المؤسسة لا تترك أبناءها يواجهون مصائرهم منفردين خاصة في قضايا معقدة مثل قضية المنشطات التي تتطلب خبرات قانونية رياضية متخصصة ومعرفة دقيقة بلوائح المحكمة الرياضية الدولية والوكالة العالمية لمكافحة المنشطات وهي خبرات قد لا تتوفر بسهولة لدى فريق دفاع عادي ومن هنا جاء تكليف الدكتور عبد الله شحاتة المستشار القانوني الرياضي للنادي ليكون دليلا على أن الأهلي يدرك طبيعة المعركة القانونية التي يخوضها اللاعب ويريد أن يضع كل إمكانياته الفنية والقانونية في خدمة الدفاع عنه.
لا يمكن أيضا تجاهل البعد الرمزي لهذا القرار في سياق الأزمات الأخلاقية والقانونية التي تعصف باللاعبين المحترفين في مصر والعالم العربي فقضية #التزوير في الامتحانات تثير تساؤلات حول ثقافة الغش والتحايل التي قد تتسلل إلى عالم الرياضة وتنعكس سلبا على القيم التربوية والأخلاقية التي يفترض أن يمثلها الرياضيون خاصة أولئك الذين يعتبرون قدوة للشباب وبينما قد ينظر البعض إلى دعم الأهلي لرمضان صبحي على أنه تغطية على سلوك خاطئ أو تشجيع للإفلات من العقاب فإن القراءة الأعمق تشير إلى أن النادي يتعامل مع الموضوع من منظور قانوني بحت يقوم على افتراض البراءة حتى تثبت الإدانة ويؤكد حق اللاعب في دفاع قانوني قوي ومتخصص بغض النظر عن طبيعة الاتهامات الموجهة إليه وهذا الموقف يعكس نضجا مؤسسيا في التعامل مع الأزمات بعيدا عن ردود الأفعال الانفعالية أو المواقف الشعبوية التي قد تسعى لإرضاء الرأي العام على حساب العدالة الإجرائية.
من ناحية أخرى يطرح هذا القرار تساؤلات حول العلاقة بين الأندية الكبرى واللاعبين السابقين وحدود المسؤولية الأخلاقية والقانونية للمؤسسات الرياضية تجاه من مروا بها فبينما تكتفي معظم الأندية في العالم بعلاقات بروتوكولية مع نجومها السابقين يقدم الأهلي نموذجا مغايرا قد يكون ملهما لمؤسسات رياضية أخرى في المنطقة إذ يعتبر أن الرابط بين النادي ولاعبيه السابقين ليس مجرد عقد مهني منتهي الصلاحية بل علاقة انتماء ممتدة تفرض التزامات متبادلة وهذا النموذج يتجاوز المنطق التجاري الصرف الذي يحكم معظم الأندية الأوروبية والذي يقوم على الفصل التام بين المصالح المالية والعلاقات الإنسانية ويعكس بدلا من ذلك ثقافة شرقية وعربية تقوم على التكافل الاجتماعي والولاء العائلي حتى في المؤسسات الحديثة.
كما أن توقيت القرار يأتي في سياق إقليمي ودولي يشهد تصاعدا في قضايا المنشطات والتلاعب الرياضي مما يجعل موقف الأهلي محط أنظار المؤسسات الرياضية الإقليمية والدولية فالمحكمة الرياضية الدولية تشدد عقوباتها على اللاعبين المتهمين بالتلاعب في عينات الفحص وتعتبر ذلك جريمة أشد خطورة من مجرد تعاطي المنشطات لأنه يمس نزاهة النظام الرقابي بأكمله ومن هنا جاءت عقوبة الأربع سنوات التي تعتبر من أقسى العقوبات التي يمكن أن يواجهها لاعب محترف وقد تعني عمليا نهاية مسيرته الكروية خاصة في عمر الثامنة والعشرين حيث يكون في ذروة مستواه الفني لكن بحلول انتهاء العقوبة سيكون قد تجاوز الثانية والثلاثين وفقد سنوات حاسمة من عمره الرياضي.
يبقى السؤال المطروح حول تأثير هذا الدعم القانوني على مآلات القضيتين اللتين يواجههما #رمضان_صبحي ففي قضية المنشطات يعتمد النجاح على قدرة فريق الدفاع على إثبات أن التلاعب لم يحدث أو أن هناك ظروفا مخففة تستدعي تخفيف العقوبة أو إلغاءها وهو ما يتطلب خبرة قانونية رياضية متخصصة وقدرة على التعامل مع الإجراءات المعقدة أمام الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات وهنا يأتي دور الدكتور عبد الله شحاتة الذي يمتلك خبرة واسعة في القانون الرياضي الدولي أما في قضية التزوير فإن الأمر يتعلق بإثبات أو نفي تورط اللاعب في واقعة انتحال الشخصية لأداء امتحانات بديلة وهي قضية جنائية قد تؤدي إلى عقوبات إذا ثبتت الإدانة مما يجعل الدعم القانوني أمرا حاسما في تحديد مستقبل اللاعب ليس فقط الرياضي بل الشخصي والاجتماعي أيضا.
